معاينة

كُرَة اللَّهب في الغُوطة

عبد الباري عطوان

أكّد سيرغي لافروف وزير الخارجيّة الروسي استمرار بِلاده في دَعم الحُكومة السوريّة “في جُهودِها الرَّامِية إلى تأمين خُروج المَدنيين ووصول المُساعدات الإنسانيّة واجْلاء الجَرحى والمَرضى”، وذلك في مُؤتمرٍ صحافي عقده بعد لقاءٍ ثُلاثيّ جمعه مع وزيريّ خارجيّة إيران وتركيا، مُتّهمًا في الوَقت نَفسِه بعض الدُّول الغَربيّة بالسَّعي لدَعم الإرهابيين في الغُوطة الشرقيّة.

اللِّقاء الذي جَرى في آستانة أراد التأكيد على أن الدُّول الثّلاث المُشاركة فيه على “اتّفاق تام حول حتميّة خُروج الإرهابيين من الغُوطة”، لكن الأمر اللافت أن الولايات المتحدة ما زالت تَلتزِم الصَّمت، وتتكتّم على رُدود فِعلِها المُحتَملة، ويبدو أنّها تركت الأمر للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي أكّد اليَوْمْ الجُمعة أن بِلاده تستطيع أن تُوجِّه ضَرباتٍ انتقاميّة إلى سورية في حال ثَبات استخدام قّوّاتها أسلحةً كيماويّة.

القُوّات السوريّة تتقدّم بِشكلٍ مُتسارع في الغُوطة وأصبحت تُسيطِر على حواليّ 80 بالمِئة منها حتى كتابة هذه السُّطور، حسب تقارير المَرصد السوري لحُقوق الإنسان، بعد تَقسيمِها إلى ثلاث مناطِق، ومُحاصَرة المُسلّحين ومن مَعهم من المَدنيين فيها.

التَّصريحات التي أدلى بها ستيفان دي ميستورا مبعوث الأُمم المتحدة إلى سورية وتَحدّث فيها عن وجود “تقارير تُؤكِّد استخدام أسلحة مَحظورة في الغُوطة من بينها غاز الأعصاب، تُمهِّد فيما يبدو لضَرباتٍ أمريكيّة وفرنسيّة ضِدّ أهدافٍ سُوريّة ربّما تَكون في قَلب دِمشق، ولا بّد أن المَبعوث الدَّولي يَمْلُك معلوماتٍ مُؤكّدة في هذا الصَّدد.

الأسلحة الكيماويّة باتت تحتل العناوين الرئيسيّة في الصُّحف ونَشرات أخبار مَحطّات التّلفزة الأوروبيّة والأمريكيّة، وليس بسبب استخدامها في الغُوطة فقط، وإنّما في مُحاولة اغتيال جاسوس روسي وابنته في مِنطقة سالزبوري في بريطانيا، واتّهام روسيا بالوُقوف خلفها.

سَيطرة القوّات السوريّة على الغُوطة بدعم من قُوّات تابِعة لحزب الله وإيران بِغطاءٍ جويّ روسيّ لن يكون نُقطَة النِّهاية، وإنّما مُقدِّمة لزَحف الجيش السوري إلى مُخيّم اليرموك، مَدعومًا بكتائِب فِلسطينيّة مُوالِية لتأمين العاصِمة السوريّة بالكامِل، وحِمايَتها من أيِّ قَصفٍ مِدفعيّ.

وتتردّد أنباء قويّة تُفيد بأنّ الجيش السوري قد يَتّجه جَنوبًا إلى درعا لاستعادها وإنهاء سَيطرة المُسلّحين عليها، الأمر الذي يَزيد قلق السُّلطات الأُردنيّة ودَولة الاحتلال الإسرائيلي، كلٌّ لأسبابه، الأردن يَخشى الفَوضى على حُدوده الشماليّة، وتَدفُّق عشرات الآلاف من اللاجئين السوريين إاى حُدوده هَربًا بأرواحِهم، وإيثارًا بالسَّلامة، أما اسرائيل فلا تُريد وصول قُوّات “حزب الله” إلى حُدودِها الشرقيّة مَصحوبةً بـ”مُستشارين” عَسكريين إيرانيين.

مِنطقة درعا مُقسّمة إلى قِسمين، الأوّل يُسيطِر عليه الجيش السوري، والثَّاني العَديد من الفصائِل المُسلّحة من الجَيش الحر، وجبهة النصرة، و”الدَّولة الإسلاميّة”، ويبدو أن القِيادة السوريّة اتّخذت قرارًا بفَتح معبر “نصيب” الحُدودي مع الأردن بالقُوّة بعد فَشل مُفاوضات الحُكومة الأُردنيّة لفَتح هذا المَعبر سِلميًّا مع المُسلّحين لإصرارهم على استمرار سَيطرتِهم عليه، لِمَا تعنيه هذه السَّيطرة من مداخيل مالِيّة.

حَسم معركة الغُوطة يَعني إنجازًا كبيرًا للحُكومة السوريّة وحُلفائها الرُّوس معًا، لا يَقِل أهميّةً عن حَسم مَعركة حلب الشرقيّة، إن لم يَكُن أكثر، لأن الأمر مُتعلِّق بأمن العاصِمة دِمشق وسلامتها وهَيبة الدَّولة السوريّة بِشَكلٍ عام، ولهذا تنهار اتّفاقات وقف إطلاق النّار الواحِدة تِلو الأُخرى، والقُوّات السوريّة باتَت تَطرُق أبواب مدينة دوما أكبرِ مُدنِها، والاستيلاء عليها قد يتم في اليَومين القادِمين.
لا نَستبعِد رَدًّا أمريكيًّا قَويًّا بصواريخ الكروز، في ظِل التوتّر المُتصاعِد بين أمريكا وحُلفائها والرُّوس، خاصّةً بعد اغتيال الجاسوس الروسي بمواد كيماويّة وهو ما اعتبرته واشنطن انتهاكًا للسِّيادة البريطانيّة لا يَجِب أن يَمُر دُون عِقاب.

السُّؤال هو حَول كيفيّة الرَّد الرُّوسي على الرَّد الأمريكي هذهِ المرّة، وما يُمكِن أن يترتّب عليه من تَبِعات خاصّةً إذا كان بين الضَّحايا مُستشارين روس.
كُرَة نار الغُوطة تَكبُر، وتُطلِق شظايا في اتّجاهاتٍ عِدّة، ومن غَير المُستبعَد أن تُشعِل إحداها مًواجهات غير مَحسوبة.. خاصّةً أننا سَنعيش بعد يومين الذِّكرى الـ15 لغَزو العِراق واحتلالِه تَحت ذريعة أسلحة الدَّمار الشَّامِل.

Exit mobile version